وضع داكن
30-05-2025
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 085 - ميزان المؤمن - الإصلاح بين الناس
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

أكبر نشاط للإنسان هو الكلام :

 أيها الأخوة الكرام:
 الإمام النووي -رحمه الله تعالى- عقد باباً في كتابه رياض الصالحين, سماه: الإصلاح بين الناس.
 وكعادته: يبدأ بابه ببعض الآيات الكريمة المتعلقة بمحور نفسه؛ فالآية الأولى: يقول الله عز وجل:

﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ﴾

[سورة النساء الآية:114]

 أكبر نشاط للإنسان: هو الكلام؛ الفقير يتكلم, والغني يتكلم, والعاقل يتكلم, والذي يعمل يتكلم, والصغير يتكلم, والكبير يتكلم, والأخلاقي يتكلم, والفاسق يتكلم, أوسع نشاط للإنسان هو الكلام.
 والإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- عد في إحيائه أنواعاً كثيرة من معاصي اللسان.

ما هو اللغو؟ :

 الله جل جلاله يقول:

﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ﴾

[سورة النساء الآية:114]

 كلام فارغ, هذا إن لم تغتب؛ إن لم تكن مغتاباً, ولا مؤتفكاً, ولا ساخراً, ولا طاعناً, ولا محتقراً, إن تلافيت كل معاصي اللسان -دقق- إن تلافيت كل معاصي اللسان, قد تقول كلاماً لغواً لا معنى له. قال تعالى:

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية:1]

﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية:2]

﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية:3]

 واللغو ما سوى الله, وحينما يُكشف للإنسان, تُكشف له الحقائق عند الموت, لا يندم إلا على ساعة واحدة مضت, لم يذكر الله فيها, لا يندم إلا على ساعة مضت, لم يذكر الله فيها.

إليكم هذه الأحاديث والآيات التي وردت في فضل ذكر الله :

 قال:

((وما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه, إلا قاموا عن أنتن من جيفة حمار))

 أما إذا جلسوا مجلساً ذكروا الله فيه, –دقق-: غشيتهم الرحمة –رحمة الله مسعدة- ونزلت عليهم السكينة, وحفتهم الملائكة, وذكرهم الله فيمن عنده.
 الرحمة هي السعادة, والسكينة هي الطمأنينة, والملائكة تحفهم؛ أي تسدد خطاهم, يوفق في أعماله, صار ملهم, مشدد فيه.
 وذكرهم الله فيمن عنده: رفع ذكره, إذا ذكرت الله ذكرك, لكن ذكره لك, أعظم ألف مرة من ذكرك له, والدليل:

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

[سورة العنكبوت الآية:45]

 يعني: ذكر الله لك حينما تذكره, أكبر بكثير من ذكرك له, أنت إذا ذكرته, قمت بواجب لك, أما إذا ذكرك, أسعدك في الدنيا والآخرة. لذلك:

﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾

[سورة البقرة الآية:152]

((ما ذكرني عبد في ملأ, إلا ذكرته في ملأ خير منهم, ولا ذكرني في نفسه, إلا ذكرته في ملأ من ملائكتي))

 وأجمل آية في هذا المعنى:

﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾

[سورة الشرح الآية:4]

 أنت حينما تكون جندياً لله عز وجل, تستحي أولاً, وتحتقر نفسك ثانياً: أن تصرف كلامك لأمور ......

((الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر, والآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك عادل))

متى ينجو العبد من عذاب الله؟ :

 ربنا عز وجل يقول:

﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ﴾

[سورة النساء الآية:114]

 يعني: أنت جالس في البيت مع أهلك, -دقق- ما الذي يقال؟ كلام فارغ أحياناً, أحياناً: في غيبة, في نميمة, في بهتان, في محاكاة, في تقليد, في طعن, في سخرية, هذه كلها معاص, لن تنجو من عذاب الله, إلا إذا عددت كلامك من عملك, كلامك من عملك, جزء من عملك, لا تقل لي كلاماً بكلام.

((إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً, يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً))

موقف شنيع :

 بنت بالروضة لها صديقة, قالت لها: زوريني -عمرها أربع سنوات- قالت لها: أزورك, سألت أمها, قالت لها: أين بيتها؟ قالت لها: بالمهاجرين, عال, قالت لها: لا, نحن لا نصعد على الجبل.
 أنت ماذا فعلت أيتها المرأة؟ هذا الذي يحتقر مساكن الناس, يحتقر إمكاناتهم, هذا قد يُبتلى بعذاب أليم, دائماً الإنسان: يتكلم كلمة يطيب فيها القلوب, يطيب القلوب.

موقف سليم :

 مرة زرت, أخ دعاني, صدقوني, الفراغ بين الديوانين لا يتجاوز ثلاثين سانتي, أو أربعين سانتي, غرفة صغيرة جداً, فاستحى بهذه الغرفة, قلت: من أنت أمام رسول الله؟.
 كان إذا أراد أن يصلي قيام الليل, لا تتسع غرفته لصلاته ونوم زوجته, فلا بد من أن تنحي نفسها حتى يصلي النبي, وهو سيد الخلق, وحبيب الحق.

التفريق من فعل الشيطان والجمع من فعل الرحمن :

 أيها الأخوة, تكلم كلاماً يجبر الخاطر, تكلم كلاماً يطيب القلوب, يوجد شخص يشمئز منك وتشمئز منه.
 كيف هذا البيت يسعك؟ هو راض فيه, أنت ما شأنك؟ راض فيه هو, مسرور فيه, مأوى, الدنيا موقفة؛ إلا ما يزهد الناس فيما عندهم, إلا ما يصغرهم.
 ماذا يعطيك معلمك؟ يكبر الرقم, يقول له: سبعة آلاف, سبعة!! وكيف تعيش فيهم!؟.
 شيطان يتكلم, يزهدك بدخلك, يزهدك بزوجتك, إذا تدخل .....
 أحياناً: تقول الجارة للزوجة: والله زوجي أحسن منه, ماذا قدم لك على العيد؟ والله .... ألم يقدم لك شيء!؟ ماذا يريد أن يقدم لي زوجي؟ ألم يقدم لك سوارة؟ والله زوجي أفضل منه.
 مزقت؛ دائماً التفريق من فعل الشيطان, دائماً التفريق من فعل الشيطان, والجمع من فعل الرحمن.

من خصائص المؤمن :

 فالمؤمن -دائماً- يجمع القلوب, يرضي ابنته بزوجها, يرضي أخته بزوجها, يذكرها بأخلاقه, باستقامته, بعفته, مستقيم, طاهر, ليس له غيرك, لا يعرف غيرك, تنسي الزوجة, أما ماذا قدم لك على العيد؟ والله لم يقدم لي شيء, لماذا لم تغيروا البيت؟ حسناً: لا يوجد معه غيره, يقدم طعاماً, وشراباً, وفي ضيق عام, يجب أن يصغرها, شيطان يتكلم؛ الشيطان كلامه يفرق دائماً, الشيطان كلامه يبعد, الشيطان كلامه يورث الأحقاد, الضغائن, الخلافات, فاضبط لسانك, ماذا تتكلم؟ في كلمات تطيب القلوب, في كلمات تجمع النفوس, في كلمات تطمئن, في كلمات تشرح الصدر.

ما موطن الشاهد في هذه الآية؟ :

 قال تعالى:

﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ﴾

[سورة النساء الآية:114]

 كلام فارغ, يعني تحدثه بأمور الدنيا, ماذا يوجد في الدنيا؛ بالأسعار, بالعملات, بالديون, بالسيارات, بالحفلات, بالسفريات, يقظ سبع ساعات, تحدثه بالدين, يتتاوب رأساً, يقول لك: عندي موعد, اسمح لي:

﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾

[سورة النساء الآية:114]

 انظر الكلام الدقيق:

﴿إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾

[سورة النساء الآية:114]

هذه مهمة المؤمن :

 رجل من علماء دمشق, مقيم خارج سوريا, حدث مرة بحديث إذاعي, قال: لي صديقان عزيزان علي؛ واحد شاعر كبير, والثاني أحد أكبر علماء اللغة, وقعت بينهما جفوة, فاتصلت بأحدهما, وقلت له: والله فلان متألم جداً من هذه الجفوة, وفي نيته أن يزورك, لكن الشيء لم يقع, وقلت للآخر الكلام نفسه: فلان متألم لهذه الجفوة, وفي نيته أن يزورك, هذا الكلام طيب القلبين, فالتقيا, واصطلحا, فأنت كمؤمن: مهمتك الجمع, مهمتك التوفيق, مهمتك الإصلاح:

﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾

[سورة النساء الآية:114]

 هذه القنوات الثابتة, القنوات النظيفة, القنوات التي ترضي الله, ودائماً وأبداً: فكر بما تقول.

((إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً -يقول لك: ماذا عملنا؟ خربت الدنيا, كيف ماذا عملنا؟- يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً))

 قالت له:

((قصيرة –فقط لم تتكلم شيئاً, والسيدة عائشة- قال لها: يا عائشة, لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته))

لك أيتها المعلمة :

 تجد معلمة –مثلاً- عندها بنت حيية, مستقيمة, علامتها قليلة, تقول لها: أنت غبية.
 هل تعلم أن هذه الكلمة تورثها عقدة, تستمر معها سنوات طويلة؟ ليست غبية, المعلم الراقي, الطالب الضعيف: يعطي سؤالاً سهلاً, يجيب عنه: جيد يا بني! جيد, ممتاز أنت, يرفعه, يعطيه ثقة بالنفس.
 فرق كبير: بين أن تحطم الناس, بين أن ترفعه, أحياناً: كلمة تحطم, وكلمة تنعش, كلمة تجعل الإنسان يعطيك كل جهده, وكلمة تثبط له كل طاقته.

الحالات التي أجازها الشرع في الكذب :

﴿إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾

[سورة النساء الآية:114]

 فالإصلاح بين الناس قناة نظيفة للكلام, الإنسان لو كذب, لا يعد كاذباً, لأنه يوجد رخص كثيرة في الكذب؛ أن تصلح بين الناس, وفي الحرب, لأن الحرب خدعة, والإنسان يكذب على زوجته, لكن أكثر الأخوان الكرام: فهموا هذا التوجيه فهماً غير صحيح, مغلوط, كل شيء يكذب عليها فيه.
 بكم اشتريته؟ يقول لها: بثمانية آلاف, هو ثمنه ثلاثة آلاف في السوق, تقص الحديث لأختها: أين عقلك أنت؟ هذا ثمنه ثلاثة آلاف هذا, يكون زوجها كذاباً, مسموح تكذب عليها بموضوع واحد.
 لو قالت لك: أتحبني؟ أنت تحبها, لكن ليس كما تريد, أقل مما تريد, فأنت قلت لها: والله أحبك, لا يوجد مشكلة, يعني طيبت قلبها, ولو هي سألتك, أو لو أنت سألتها: أتحبينني؟ قالت لك: نعم, من لي غيرك؟ كلام طيب, أما لا توجد زوجة ما فيها عيب, لو يريد أن يذكر لها العيب, ويكبر لها العيب, حطمها, ليس لها أحداً غيره, حطمها.
 فالمؤمن لا يحطم, يعني هذه نصيبك, وهذه الله عز وجل كتبها لك, ولا يوجد أمامك غيرها, وارض بها هدية من الله عز وجل, فإذا أنت أغفلت عيوبها, وذكرت محاسنها, أنت ترفع مستواها, تنشطها, تصبح متألقة.

المؤمن يطيب القلوب ولا يسيء :

 صدقوني: المرأة النشيطة يأتيها جمال إضافي؛ إذا أنت أثنيت عليها, وطمأنتها, وما صغرتها ببعض عيوبها, تسعد, تتألق, جزء من الجمال هو الطمأنينة.
 أحياناً الإنسان: يتورد وجهه, أو يصفر وجهه, بالحالات المسعدة يتورد, وبالحالات المؤلمة يصفر, فقد تجد فتاة جميلة جداً إذا حطمتها, تجد فقدت نصف جمالها, وفتاة وسط إذا أنعشتها, يرتفع جمالها إلى درجة أعلى؛ فالمؤمن يطيب القلوب, المؤمن لا يسيء:

﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾

[سورة النساء الآية:114]

 الصلح قناة أساسية للكلام, الإنسان يصفن, كل كلمة يفكر فيها, بكلمة ينفرد:

احفظ لســانك أيها الإنسان  لا يلدغــــنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه  كانت تهاب لقاءه الشجـعان؟

احفظ هذا الشعر وخذ العبرة منه :

 دخل شخص من حماة إلى عند ملك, قال له: من أين أنت؟ قال له: من حماة حماك الله, فأعطاه جائزة, رآه شخصاً من حمص, قال له: ما قلت له؟ هكذا قلت له ...... أعطاني, دخل, قال له: من أين؟ قال له: من حمص حمَّصك الله, قال لهم: اقطعوا رأسه.
كلمة, يعني كلمة تضيع:

احفظ لســانك أيها الإنسان  لا يلدغــــنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه  كانت تهاب لقاءه الشجـعان؟

 كلمة تنهيك؛ فكلما كان عقلك كبيراً, تضبط لسانك, تخزن لسانك, هذه الكلمة .......

لماذا؟؟؟ :

 أيها الأخوة, جالس في جلسة كلها تجار, شخص موظف, والله إذا الإنسان لم يكن دخله في الشهر ثمانين لا يكفي, ماذا فعلت بهذا الموظف؟ أنت حرقته حرقاً, يدبر شأنه بثمانية, ماذا تعني الخمسين؟ لماذا الكلام الفراغ؟ قل: الله ساترها, الله يطرح البركة, الله يتوب علينا؛ يتبجح بدخله, يتبجح بإنفاقه, بنزهاته, برحلاته, ينتبه.

التعميم من العمى :

 في شخص, أحياناً: يكون شخص مثلاً: يعمل بمهنة, أنت مهنة لم تعجبك, ويوجد محامون كذابون كثر, لا الكلام غير صحيح, لعل يكون شخص أبوه محام, حطمته أنت, وفي محامين صادقين والله, المهنة بالأساس صحيحة, أنت تدافع عن مظلوم, إذا في ناس انحرفوا, في ناس طيبين, مستقيمين, لا تعمم, إياك أن تعمم, التعميم من العمى, دائماً: استثن, بكل حرفة؛ في ناس صادقين, في ناس مخلصين, في ناس يخافون الله عز وجل, لا يوجد ....., هذا شيء طبيعي.

مشاهد من الواقع :

 اليوم كنت في مكتبي التجاري, دخل شخص, في مشكلة, يجب أن يشهد شاهد: أن التسعيرة صحيحة, قال له: تشهد؟ قال له: أشهد, لكن أريد عشرين ألف, ليقسم هذا القسم, ثمنه عشرون ألفاً, تدفعهم, أضع يدي على المصحف, وأقول: شاهدت؟ أنا لم أشاهد, لكن هو –طبعاً- حكاها, لكن عمل صدمة, -هذه المسلمون, هذه صدمة-.
 أنا قلت له بالعكس, قلت له: والله جاءتني ورقة, -وأحتفظ بها إلى الآن- يقول لي أخ مؤمن: قدمت عشرين مليوناً لأسرة, لا يعلمون عنها شيئاً, هي لوالدهم, توفي بحادث, لا يعلمون عنها شيئاً؛ ولا في وصل, ولا ثمن, ولا عقد, ولا في شيء إطلاقاً.
غير, إنسان ثان .....

هذا الذي حصل في واشنطن :

 أنا ذكرت لكم, أو لا أعرف, في جامع ثان, جاء أخ من أمريكا, من واشنطن, قال لي: سائق تكسي مسلم, ركبت معه سيدة أمريكية, نسيت محفظة, فيها عشرة آلاف دولار, فيها أساور وألماس, يعني شيء ثمين جداً, هذا المسلم اتجه للشرطة, وقدمها للشرطة, هذا صعق, شيء غير معقول إطلاقاً!! نوع من الجنان أن ترجع شيئاً وجدته, فاتصل بحاكم الولاية, فجمعوا طلاب التعليم الثانوي, وجمعوا بعض المدرسين, وألقى فيهم الحاكم كلمة بنفسه: إذا أحدكم وجد بسيارة المحفظة, وفيها المبلغ, وفيها ....... ماذا تفعلون؟ قال لي: والله بلا تردد, بلا تفكير, بعفوية رائعة: نأخذهم, نأخذهم, قال لهم: في رجل مسلم لم يأخذهم, قدمهم للشرطة, وعملوا له احتفالاً, ورعى الاحتفال حاكم ولاية واشنطن.

هذه هي أمانة المسلم :

 أنا أتكلم القصة من مدة, قال لي شخص: والله أنا عندي موظف, أخ عنده موظف, وجد ثمانمئة ألف, رجعهم لصاحبهم ثمانمئة ألف, وجدهم في محفظة بالأدم, السيارة مفتوحة, الحقيبة وقعت, فيها ثمانمئة ألف, بحث عن صاحبهم عن طريق الشرطة ورجعهم.
 لا تتكلم قصة تهز القيم, تكلم قصة ترفع المعنويات, لا تقل: كل الملتزمين كذابين, لا, كلهم صادقون, وأنت لوحدك كذاب, لا تعمل قصة تثبط العزيمة, تيئس الناس من هذا الدين العظيم, لا, تكلم قصة تعطي العكس, ترفع المعنويات.

كن مصدر طمأنينة للناس :

 قال تعالى:

﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾

[سورة النساء الآية:114]

 تجلس مع أهلك بسهرة, بنزهة, بلقاء, بعقد قران, بأمسية, بعيادة مريض, اضبط لسانك, ألم تسمع أي حديث, آية, قصة عن صحابي؟ احفظهم هؤلاء, إذا تكلمت, تجد الوجوه أشرقت, الناس اطمأنوا؛ كن مصدر طمأنينة للناس, ألق فيهم الطمأنينة, السكينة, ألق فيهم محبة الله عز وجل, ألق فيهم محبة هذا الدين العظيم؛ بين شرف المؤمن, بين عفة المؤمن, بين استقامة المؤمن, بين تضحية المؤمن, لا تأتي بصور نادرة وتعممها على المؤمنين كلها.

من علامة النفاق :

 بالمناسبة -أخواننا الكرام: والله- في آية قرآنية وحيدة, والله لو تعرفوا مؤداها, لانخلع القلب منها. قال:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾

[سورة النور الآية:19]

 ماذا فعل؟ لا تكلم, ولا تكلم كلمة أبداً, فقط من الداخل ارتاح, إذا الفاحشة انتشرت ينسر, سرورك بشيوع الفاحشة بين المؤمنين, هذا وضعك في الخندق المعاكس, معنى منافق, لأن الله عز وجل يقول:

﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا﴾

[سورة آل عمران الآية:120]

 المنافق إذا كان يأتيه الخير ينزعج, يأتيه الشر يرتاح, فكل إنسان يفرح: أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا, هذا علامة النفاق, والعياذ بالله!.

محور هذا اللقاء :

 أنا أردت أن أركز في هذا اللقاء, على الكلام الذي يلقى في سهرة, في وليمة, في سيران, في نزهة, في تعزية, بمناسبة فرح, في حفلة, في خطوبة, في لقاء, في ندوة, اضبط لسانك, دائماً: هيىء نفسك, هيىء تفسير آية, تفسير حديث, قصة عن صحابي, هكذا شيء مشرق , حادثة طيبة.

ألا تسر بهذا العمل؟ :

 البارحة ذكرت بالدرس حادثة, -ذكرتها لكم عدة مرات- يعني: مستخدم, عنده خمسة, ستة أولاد, معاشه ثلاثة آلاف, ورث أرضاً, وإنسان أحب أن يعمر مسجداً بمنطقة من مناطق دمشق التي لا يوجد فيها مساجد, وجد الأرض مناسبة جداً, واشتراها من صاحبها بثلاثة ملايين ونصف, وعملوا شيكاً بمليونين, وقال له: الباقي أعطيك إياه عند التنازل للأوقاف, قال له: لماذا الأوقاف؟ -لم يفهم ما القصة؟-, قال له: هذه نريد أن نعمرها جامعاً, قال له: جامع!! هات الشيك, مزقه, قال له: أنا أولى أن أقدمها لله منك, هذه أرضي لأنها, وقدمها, وتعمرت, وجامع رائع جداً بنهر عيشة, قدم أرضه, مستخدم, دخله ثلاثة آلاف, ثلاثة آلاف دخله.
 يقول الرجل الميسور -الذي معه مئات الملايين-: بحياتي لم أصغر أمام إنسان, كما صغرت أمام الإنسان؛ ثلاثة آلاف دخله, خمسة, ستة أولاد, مستخدم مدرسة ابتدائي, يقدم أرضاً ورثها من فترة, ثمنها ثلاثة ملايين ونصف, لا يأخذ قرشاً منها لوجه الله.
 تكلم قصة تنعشنا, ترفع معنوياتنا.

لا خير في كثير من نجواهم :

 تجد –والله- في مسلمين ممتازين, في شخص, تعرفون الزبال ما مهمته؟ يجمع القمامة من كل البيوت, في شخص أين في قصة سيئة, أين في قصة مزعجة, أين في إنسان سقط, أين في إنسان نافق, أين في إنسان عمل عملاً خلاف دينه, إذا يجمعهم, يحفظهم غيباً, فلان عمل هكذا ...., أنت هل تعلم ماذا تفعل؟ أنت تلقي قنابل, لأن كل قصة تهزها للقيم, كل قصة تعمل مشكلة, هذا سموه الزبال, بأمور الفكر يختار من كل بيت, من كل معمل, من كل حي, من كل سوء, قصة ممتعة, ومؤثرة, ومثيرة يتكلمها, مع تكلم هذه القصة: هز القيم, ثبط العزائم:

﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ﴾

[سورة النساء الآية:114]

انتبه :

 بالمناسبة أخواننا الكرام: إذا قصة تعرف آخر فصل فيها, ولا تعرف الفصول السابقة, لا تذكرها, تخلق مشكلة منها, إذا قصة فيها ظلم صارخ, حسناً: أين الله عز وجل؟ أين الله عز وجل؟ أنت أحرجتنا, تكلمت قصة, تكلمت آخر فصل, حسناً: هذه لها فصول كثيرة.

هذه هي عدالة الله :

 مرة كنت بالعيد عند أحد أقربائي, رأيت هذا البناء, قال لي: هذا لشخص, تزوج واحدة على كبر, شابة صغيرة, ضحكت عليه, كتبها لها كلها, بعد أن كتبها لها كلها, طلبت المخالعة, وتركته, تحب شصاً غيره, وتركته من دون بيت, والله شيء صعب, إنسان تعمل معه زوجته العمل, أنا بشكل عفوي, قلت له: لكن القصة لها فصول سابقة, تعرفها أنت, قال لي: لا, قلت له: تذكر جيداً, لأنه هو جاره, قال لي: نعم, هذا كان أكبر أخوته, لما توفي والده, أخذ كل المال له, أقسم بالله, قال لي: حرم أربع أخوات, أخذ المال كله له, جاءت المرأة, ضحكت عليه, وكتبت البناء كله لها, وتركته بلا بيت.
 الآن توازن, معقول!! معنى في عدالة بالكون.
 لا تقبل تسمع قصة من آخر فصل, لا تعرف من أول فصل لآخر فصل وتتكلم, يا اعمل معروف اسكت, لا تعمل مشكلة.

اسمع هذه القصة بتفاصيلها :

 والله الذي لا ﺇله إلا هو, أمشي بالحريقة, -يمكن القصة من عشرين سنة-, خرج شخص من محل يبيع قمصان, قال لي: أنت تخطب؟ قلت له: نعم أخطب, قال لي: تفضل انظر القصة ما أصلها؟ ما القصة؟ قال لي: شخص جاء على محله بمدحت باشا حتى يسترزق, حتى يؤمن قوت أولاده, قال لي: في عمل أشرف من العمل؟ قلت له: لا والله, العمل عبادة, عبادة فعلاً, قال لي: سمع إطلاق رصاص, اثنان يتشاجران, قال لي: مد رأسه, تأتي رصاصة بنعرته, ينشل فوراً, قال لي: ماذا فعل هذا؟ فهمني ماذا فعل؟ والله علمي علمك: قلت له, لا أعرف, لا أعرف ماذا فعل؟.
 القصة مزعجة جداً, شخص بريء, ليس له علاقة, قادم ليفتح محله, يبيع قماشاً للناس؛ البضاعة مشروعة, والعمل مشروع, والتجارة مشروعة, والرجل يعني مسلم, يصلي, ولم يعمل شيئاً, وسمع إطلاق رصاص, مد رأسه, من ...... جاءت الرصاصة بالعامود الفقري, انشل فوراً, لا أعرف أجاوبه.
 والله -يا أخوان- بعد عشرين يوم, أخ من أخواننا, -وكان طالبي-, قال لي: أستاذ, نحن عندنا جار, كان يسكن بالميدان, وبالمصطبة, قال لي: ويوجد عندنا جار يسكن فوقنا, اغتصب أموال أولاد أخيه الأيتام, مبلغ كبير, فحاولوا خلال سنتين, ثلاثة, يطلبوا المال, لم يرد عليهم, فشكوه للشيخ حسين خطاب -رحمه الله-, جمعهم: أعطهم, قال له: لا أعطيهم, هذا الحاضر, قال لهم: يا بني! هذا عمكم؛ لا تشكوه إلى القضاء, لا يليق فيكم أن تشكوه, اشكوه إلى الله.
 الكلام الساعة الثامنة مساء, هو نفسه طلع, قال لي: عنده محل بمدحت باشا, نزل في اليوم الثاني الساعة التاسعة, فتح المحل, سمع إطلاق الرصاص, مد رأسه, جاءت الرصاصة في عاموده الفقري, انشل فوراً.
 الآن توازنا, أليس كذلك؟ توازنا, الأحداث كلها هكذا, إذا عرفت أنت من الجمل أذنه فقط, لو تعرف كل قصة أسبابها, تجد في عدل مطلق.

المطلوب منك :

 حدثني أخ قاضي تحقيق, قلت له: حدث معك عمل ما؟ قال لي: والله في إنسان قاتل قتيل, وحكموه بالإعدام, لا هو محام, قال لي: القاضي بلغه الحكم, جاء لعنده, قال له: يعني الحكم بالإعدام, لعل الله هكذا يطلع عفو -هو المجرم ثخين- قال له: أنت قاتل هذا القتيل؟ قال له: لا, قال له: أنا لست قاتله, أنا قاتل غيره قال له. الله كبير.
 فدائماً: وثاق من حكمة الله, ومن عدالته, إذا تكلمت, لا تتكلم قصة خاطئة, لا تتكلم قصة تزلزل القيم فيها, تكلم قصة ترفع المعنويات:

﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾

[سورة النساء الآية:114]

 والحمد لله رب العالمين.

دعاء الختام :

 بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور